هل تساءلت يوماً عن سبب مغالاة المتداولين ووسطاء التداول في الاهتمام بالتراخيص المالية وإبرازها للمتداولين كصك أمانة وموثوقية؟ هذا بالضبط هو أحد أهم فوائد تراخيص التداول وأهميتها في صناعة التداول، إذ تلعب التراخيص المالية دوراً بالغ الأهمية في بناء الثقة بين المتداولين ووسطاء التداول وضمان حماية حقوقهم المالية. ولكن ما هي الأسس التي تقوم عليها هذه التراخيص وتمنحها هذه الأهمية؟ هذا ما سنتعرف عليه بالتفصيل في مقالنا التالي الذي يناقش أنواع تراخيص التداول ودورها في حماية المتداولين.
تعتبر تراخيص شركات التداول ضرورية لما توفره للمتداولين من حماية وضمانات تمنحهم تجربة تداول أمنة ومكفولة. ولأنها أيضاً تسهم في تنظيم عمليات التداول في الأسواق المالية العالمية والمحلية وتحث الشركات على الالتزام بالشفافية في العمليات المالية من خلال تحديد الواجبات والحقوق لكل من المتداولين ووسطاء التداول. ونظراً للإقبال المتزايد على التداول، أصبحت توعية المتداولين بشان التراخيص المالية ودروها في تنظيم الأسواق وحماية حقوقهم ضرورة ملحة.
إذ يتمثل دور تراخيص شركات التداول في فرض مجموعة من القوانين واللوائح التنظيمية على هذه الشركات تلزمها باتباع إجراءات معينة تختلف في درجة صرامتها حسب تصنيف الهيئة الرقابية المانحة للترخيص. وتهدف إلى حماية المتداولين من التعرض للاحتيال أو التلاعب، بالإضافة إلى حماية أسواق الأوراق المالية من تجاوزات قانونية تهدد الوضع الأمني والاقتصادي للدول، كالتورط في غسيل الأموال أو تمويل الإرهاب وغيرها من التجاوزات.
تتبع الهيئات الرقابية المسؤولة عن تنظيم أسواق المال ومنح التراخيص للشركات التي تقدم الخدمات المالية ووسطاء التداول معايير وآليات محددة لحماية المتداولين. وتلعب هذه التراخيص دوراً بارزاً في حمايتهم من الاحتيال بشكل خاص، وذلك من خلال مجموعة من القواعد التي تفرضها على شركات التداول، مثل:
هناك نوعين رئيسيين من الشركات التي تقدم خدمات الوساطة المالية في صناعة التداول، وهما شركات مرخصة تتمتع بدرجة أعلى من الموثوقية والأمان حسب نوعية تراخيصها ومعايير أخرى إضافية، والنوع الآخر هو شركات التداول غير المرخصة. وتكمن الفروق الرئيسية بينهما كما هو موضح في الجدول التالي:
شركات التداول المرخصة | شركات التداول غير المرخصة |
الامتثال للمعايير واللوائح التنظيمية التي تفرضها الهيئات الرقابية | لا تخضع لمراقبة وإشراف الهيئات الرقابية |
توفر للمتداولين ضمانات أمان وحماية | قد يتعرض المتداولين لمجموعة من المخاطر بسبب غياب التنظيم |
مسؤولة أمام الهيئات الرقابية المنظمة لها | لا تلتزم بأي مسؤوليات قانونية تجاه المتداولين |
تتمتع بدرجة أعلى من الموثوقية والمصداقية | تكون موثوقيتها ومصداقيتها في موضع شك |
بدأت الدول منذ عقود من الزمن بالاهتمام في ضرورة تنظيم الأسواق المالية عن طريق لجان وهيئات مختصة في مراقبة هذه الأسواق والمستثمرين فيها، ومن هنا ظهرت مجموعة من الهيئات الرقابية العالمية التي تطورت عبر الزمن وأصبح بعضها يحتل مرتبة هامة بين أفضل المنظمين في سوق الأوراق المالية. وفي وقتنا الحاضر، أصبح هناك في معظم الدول حول العالم هيئات رقابية تختص بمراقبة شركات التداول والإشراف عليها ومنحها التراخيص المالية اللازمة لمزاولة أنشطتها ضمن الأطر القانونية الخاصة بكل دولة، فأصبح لدينا مجموعة كبيرة من الهيئات الرقابية العالمية والعربية التي تملك صلاحيات على مستوى أراضي الدولة التي تقع فيها أو على مستوى عابر للحدود.
وبالتالي، أصبح من الممكن تصنيف هذه الهيئات الرقابية حسب مستوى الأمان والمعايير التنظيمية التي تفرضها على شركات التداول، ومدى الحماية التي تكفلها للمتداولين، مما أدى إلى تصنيف الهيئات الرقابية حول العالم ضمن ثلاث مستويات، هي:
الهيئات الرقابية من الدرجة الأولى هي الهيئات التي تفرض أعلى مستوى من المعايير والشروط التنظيمية لضبط الأسواق المالية ومكافحة الاحتيال. تشتهر هذه الهيئات بمعاييرها الصارمة والعقوبات المتشددة التي تفرضها على المخالفين، مما يمنح المتداولين مستوى عالٍ من الأمان والثقة عند التداول مع شركة حاصلة على ترخيص من أحد هذه الهيئات، ومن أبرزها:
هيئة مراقبة السلوك المالي FCA | تُنظم حوالي 50,000 شركة مالية في المملكة المتحدة |
لجنة الأوراق المالية والاستثمارات الأسترالية ASIC | هيئة حكومية مستقلة تُنظم الأداء المالي في أستراليا |
الهيئة الرقابية الألمانية BaFin | سلطة تنظيمية مالية مستقلة في ألمانيا |
لجنة تداول العقود الآجلة للسلع CFTC | تتولى تنظيم أسواق المشتقات في الولايات المتحدة |
تتمتع الهيئات الرقابية التي تُصنف على أنها من الدرجة الثانية بمستوى جيد من الكفاءة والموثوقية في تنظيم الأسواق المالية وتعزيز نزاهة وشفافية الأنشطة المالية، ولكنها لا تفرض معايير بنفس مستوى الصرامة الذي تفرضه الهيئات الرقابية من الدرجة الأولى. ومن أشهر هذه الهيئات، نذكر ما يلي:
هيئة الأوراق المالية والبورصة القبرصية CySEC | تعمل على تنظيم السوق المالي القبرصي |
هيئة أسواق المال في كينيا CMA | مسؤولة عن تنظيم أنشطة الأوراق المالية في كينيا |
هيئة مراقبة سلوك القطاع المالي FSCA | هيئة تنظيمية للسلوك ووكالة خليفة لمجلس الخدمات المالية في جنوب أفريقيا |
هيئة الخدمات المالية في مالطا MFSA | تتولى مسؤولية تعزيز شفافية الأسواق المالية في مالطا |
تكون هذه الهيئات أقل تنظيماً من الهيئات الرقابية من الدرجة الأولى والثانية، وقد ترتبط بعض الشركات المرخصة من قبلها بممارسات مشبوهة عالية المخاطر. لذا، يتوجب على المتداولين الحذر عند التعامل مع شركات التداول المرخصة من قبل هذه الهيئات وعدم الاتكال على وجود الترخيص المالي وحسب، بل التقصي جيداً وراء تاريخ الشركة وسمعتها في الأسواق المالية. ومن الهيئات الرقابية التي تُصنف ضمن الدرجة الثالثة، هناك:
لجنة الخدمات المالية في فانواتو VFSC | تشرف على تنظيم أسواق رأس المال في فانواتو |
لجنة الخدمات المالية في جزر فيرجن البريطانية BVI | هيئة تنظيمية مستقلة مسؤولة عن تنظيم الخدمات المالية في جزر فيرجن البريطانية |
هيئة الخدمات المالية في سيشيل FSA | هيئة تنظيمية مستقلة مسؤولة عن الخدمات المالية غير المصرفية في سيشل |
هيئة الخدمات المالية – سانت فينسنت وجزر غرينادين | تنظيم وتطوير قطاع الخدمات المالية الدولية في سانت فينسنت وجزر غرينادين |
شهدت صناعة التداول في العالم العربي نمواً وتطوراً غير مسبوقين، رافقهما ظهور مجموعة من الهيئات الرقابية المسؤولة عن تنظيم التداول في أسواق الأوراق المالية سواء المحلية داخل الدولة نفسها أو العالمية. كما تمكنت بعض هذه الهيئات من تعزيز موثوقيتها ودرجة تصنيفها بين الهيئات الرقابية على مستوى العالم، مثل الهيئات التي سنتحدث عنها فيما يلي:
من أبرز الجهات الرقابية المسؤولة عن تنظيم التداول في الدول العربية وترخيص والإشراف على شركات التداول في المنطقة، هناك:
لمعرفة مدى قوة التراخيص المذكورة سابقاً من الهيئات الرقابية في الدول العربية مقارنة بالتراخيص العالمية، لابد من تحديد المعايير التي يتم على أساسها تقييم مستوى وقوة التراخيص المالية. وتشمل هذه المعايير:
بسبب أهمية التراخيص المالية في صناعة التداول ولما لها من تأثير في رفع ثقة المتداولين بشركة التداول، تقوم بعض الشركات الاحتيالية التي تدعي أنها تقدم خدمات التداول بالتحايل على المتداولين والادعاء بأنها مرخصة، وهو ما نطلق عليه الاحتيال في التراخيص. أي قيام بعض وسطاء التداول بالادعاء بأنهم مرخصون وموثقون دون أن يكون لديهم أي تراخيص أو تسجيلات حقيقية في الواقع. وطرق الاحتيال في التراخيص كثيرة ومتعددة، نذكر منها:
تقوم بعض شركات التداول الاحتيالية بتصميم مستندات ترخيص وهمية بتنسيق مشابه تماماً لمستندات الهيئات الحقيقية، وذلك بهدف الإيقاع بالمتداولين قليلي الخبرة وإيهامهم بأنهم مرخصين فعلاً. إذ تعرض هذه الشركة شهادات الترخيص المزيفة على موقعها الإلكتروني، ولكن تكون أرقام تسجيل الترخيص المزعوم غير موجودة في قواعد بيانات الجهات التنظيمية.
تقوم بعض شركات التداول غير المرخصة بانتحال هوية شركات مالية مرخصة قانونياً وأحياناً تلجأ لانتحال أسماء شركات تداول بارزة ومشهورة لخداع المستثمرين وإيهامهم بأنها تعمل بشكل قانوني ولتتمكن من كسب ثقتهم بها بشكل أسرع. وفي معظم هذه الحالات، تقوم الشركة المحتالة باستخدام اسم شركة مرخصة رسمياً من هيئة تنظيمية قوية وتستهدف ضحاياها عن طريق البريد الإلكتروني، أو تنشئ موقع إلكتروني مزيف يحمل نفس اسم الشركة الحقيقية. وقد يقع ضحية هذا التضليل الكثير من المتداولين الذين قد يسارعون في الوثوق بشركات التداول قبل التحقق الدقيق منها.
بعض الشركات كانت مرخصة في السابق ولكن تم سحب ترخيصها بسبب مخالفات مالية أو عدم الامتثال للقوانين. أو في بعض الأحيان، تحصل شركات التداول على تراخيص لمدة زمنية محدودة تكون بحاجة إلى تجديد دوري. هنا، تواصل هذه الشركات العمل بشكل غير قانوني، وتدّعي أنها لا تزال مرخصة، وقد تقوم باستغلال الأمر لتجاوز لوائح الهيئة الرقابية المُنظمة لها بما يخدم مصالحها تحت غظاء ترخيصها المنتهي الصلاحية.
تستخدم بعض شركات التداول التي تسعى للاحتيال أختام وتواقيع مزيفة لاصطناع مستندات رسمية توهم العملاء بأن الشركة مرخصة من هيئة تنظيمية معتمدة. حيث تقوم هذه الشركات بتزوير شهادات الترخيص الرسمية باستخدام برامج تعديل الصور مثل فوتوشوب وإضافة أختام وتواقيع مسؤولين رسميين لإيهام الضحايا بصحة الوثيقة.
على الرغم من أن تزوير تراخيص التداول قد يكون سهلاً على شركات الاحتيال والنصب، لكن التحقق من صحة التراخيص لا يقل سهولة أيضاً. إذ تساعد الخطوات التالية المتداولين في عملية التأكد من تراخيص شركات التداول، ليتمكنوا من التمييز بين التراخيص الحقيقية والتراخيص المزيفة:
تفرض الهيئات الرقابية الأوروبية معايير وقوانين أكثر صرامة على شركات التداول من تلك التي تفرضها الهيئات الرقابية الآسيوية، مما يجعلها تتمتع بمكانة أعلى وأفضل بين الهيئات الرقابية حول العالم.
يمكن التحقق من صحة ترخيص شركة التداول بثلاث خطوات فقط، هي البحث عن الهيئة الرقابية عبر الإنترنت وزيارة موقعها إن وجدت، البحث عن رقم ترخيص شركة التداول على موقع الهيئة، التأكد من عدم وجود مشاكل بين الهيئة الرقابية والشركة في حال كانت مرخصة فعلاً.
نعم، يمكن لشركات التداول الحصول على أكثر من ترخيص مالي واحد في نفس الوقت، وتعتبر ميزة تعزز من موثوقية الشركة ومصداقيتها.
لا، لا تتساوى جميع تراخيص التداول في القيمة والموثوقية، فكما ذكرنا في الأعلى هناك تراخيص من الدرجة الأولى وأخرى من الدرجة الثانية، والثالثة، حسب مستوى الرقابة والتنظيم الذي يوفره كل ترخيص.